بدأ كل الناس الاسوياء الطبيعين الخائفين على مصر و الراغبين حقا
في بنائها الحديث عن تنحية المصالح الشخصية و انه ليس هناك أحد افضل من الآخر و ان
من شارك في الثورة و من لم يشارك .. كلهم مصريين و على استعداد لاعادة بناء البلد
من جديد على اسس قوية و اخلاق الميدان ..
وفجأة بدأت الناس جميعا تتحدث
عن من كان مؤيدا و من كان معارضا و من كان مع النظام و من كان مناوئا له ..و سنّ الكل
السكاكين و وضعت قوائم بالاشخاص والاعلامين على طريقة After we before
و كل من كان يحب شخصا كرهه ...و كل من كان يكره شخصا احبه .... و اصبحت
الطريقة الوحيدة لتقيم الناس و خاصة الاعلاميين هي اذا كان ضد أو مع النظام !! و
كأن هذا هو الاعتبار الوحيد لتقيم هؤلاء الناس..و لم يفكر احد ان يعود للحلقات
القديمة و يبحث في ظروفها .. أو ظروف الناس و الاشخاص التي من الممكن ان تكون قد
جعلت هؤلاء الاشخاص يروا انه ليس في الإمكان احسن مما كان.
فبنفس المنطق الذي تحدث به
شباب التحرير عندما طلبوا من الناس ان يزلوا الي الميدان ليروا باعينهم ما
حدث و الذي جعلهم بهذا الصرار على البقاء بالرغم من اختلاف البعض معهم.. اطلب من
كل من حكم على شخص ما ان يضع نفسه في
موضعه ان استطاع و يري ما كان من الممكن ان يفعل .
و انا هنا لا ادافع عن المنافقين ...و لكني ادافع عن كل شخص يحتمل
ان تكون اجبرته ظروفه على وضع معين جعله ليس قادرا على المعارضة و لكن بقى صامتا دون نفاق او رياء !
فكم منا منعه الخوف من النزول للتظاهر .. الخوف على شئ ما و ليس
على النفس .. على مستقبل ... و هنا استرجع
كل ما قيل في وسائل الاعلام عن لسان كبار المفكرين والسياسيين و المعارضين من انهم
" جيل خايب " و ان ثورة الشباب "اخجلتهم من أنفسهم" و أننا
قمنا بما فشلوا هم في القيام به على مدار ثلاثين عاماً
و بعد تفكير اتضحت لي بعض الأمور ، فهناك
فرق شاسع بين الظروف التي نشأنا فيها و تولدت فيها ثورتنا و بين الظروف التي نشأ فيها
الجيل أو الاثنين السابقين والتي لم يسع البعض لتغيرها انذاك ... فهؤلاء من نتهمهم
بانهم السبب فيما نحن فيه الآن... منعتهم ظروف ما من القيام بالاصح من وجهة نظرنا
...
هؤلاء من سَلِموا لأنهم خافوا ... و
ارادوا توفير المأكل و الملبس و التعليم و
العيش الكريم لنا .. فآثروا السير جانب الحائط ...
وسبحان الله... فهذا الصمت هو ما جعلنا
جيل يصلح للثورة ... هو ما اعطانا القوة والثقافة
و الوعي لنقوم بما قمنا به .. فعلى قدر ما ضرنا الصمت و الاستسلام .. على قدر ما افادنا
.. فاكتشفنا انه كان استثمارا في محله !! حتى وإن كان غير مقصود
و هذا الجيل المعارض في صمت ... او المؤيد
مجبر ... لم يزايد علينا بما قدمه لنا من تضحيات... و لا بالطريق الذي مهدوه ..
فالآن ليس الوقت لنزايد نحن عليهم بما
فعلنا او على اي شخص اخر وضعته ظروفة موضع حرج
و على سبيل المثال و ليس الحصر ... اسائني
بشده ما قدمه الاعلامي الكبير محمود سعد في حلقته اليوم في برنامج مصر
النهاردة" و التي استضاف فيها الاستاذ عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الاخبار..
فمع احترامي الشديد له .. إلا ان تلك
الحلقة هي بمثابه كارثة في نظري بل قد تكون بداية لانهيار محمود سعد و شعبيته ان
استمر على هذا النهج
فكل منا يعلم ما حدث مع محمود سعد عندما اعتذر عن تغطية الثورة
بالشكل الذي يريده النظام الحاكم ... و كان له كل الاحترام و التقدير من جميع فئات
الشعب المؤيدة و المعارضة، و لكن هذا ليس مبررا على الاطلاق لأن يقوم باستخدام هذا
الموقف للمزايدة على احد أو للانتقام عندما سنحت الفرصة
فليس من اللائق من اعلامي بحجمه ان ان
يظهر بطولته على حساب احد الاشخاص الذين قد يكون اجبرهم خوفهم من النظام او
احتياجهم له – و هم كثر- ان يستسلموا ا و يقبلوا اوضاعا معينه رغما عن انفهم .. ومع
ذلك فقد قدم المناوي الاعتذار عن كثير من التجاوزات التي حدثت و اعترف بكثير من
الاخطاء التي وقع فيها التليفزيون المصري... فحتى ان لم يشفع له ذلك فهو ليس مبررا
لاهانته و اظهار البطولة على حسابه
وليس لائقا ايضا ان يقول له محمود سعد
" انت اخطأت ...انا اعتذرت و مشيت ... ليه انت مامشيتش" .. و كأنه له حق
التقييم و كأن هذا هو القانون او التصرف الاصوب في تلك الظروف ... ان يترك كل منا
منصبه ان لم يستطع مواجهة النظام ... فبقليل من التفكير نرى الفرق الشاسع بين
الموضع الذي تركه محمود سعد اثناء الثورة و مدي التأثير الاجتماعى لهذا التصرف –
الذي لا يذكر في وجهة نظرى- والموضغ الذي طالب عبد اللطيف المناوي بتركه – و الذي
كان سيكون له كبير الاثر حتي مع كل سلبيات تغطية التليفزيون المصري للاحداث- فهناك التزامات و اعتبارات سياسية واجتماعية
مختلفة تقع على عاتق رئيس قطاع الاخبار في تلك الظروف.. بالاضافة إلى ما يمكن ان
يتوقعه اي مشاهد او متابع للاحداث من ضغوط قد تكون فوق احتمال الكثيرين ... وبعضها
قد يكون ماديا .. و هذا ليس بالشئ الهين .. وهناك ايضا فرق شاسع بين محمود سعد و
المناوي في هذا الخصوص...
و لكن دون تعديد للاسباب و دون الخوض في
تفاصيل الحلقة و الحوار و التي كانت مليئة بالمواقف غير المعهودة من اعلامي بحجم
محمود سعد و منها ما تعرض له زميله خيري رمضان من نقد على لسان احد الاعلاميات و
الفنان عمار الشريعي ، فبدلاً من الدفاع عن زميله او رد الاذي عنه .. اكتفى
بالابتسام و طلب منهم الحديث مباشرة مع خيري رمضان في حلقته .. و لسان حاله يقول
انا البطل فوق النقد ... فالكل انتهز الفرصة للانتقام سواء كان صحب حق ام لا ..
و اخيراً... ليست قضيتي هنا محمود سعد
بشخصه ... و لكن من يتبع نفس النهج او يرى نفسه افضل من غيره بما فعله او لم يفعله...
فيقول الله عز و جل " إن اكرمكم عند الله اتقاكم"... فليس هذا وقت
للافضليات .. و لا للمزايدة .. و لا للتفاخر ... ولسيت تلك هي الاخلاق التي نادت
بها الثورة .. و ليس هذ السبيل إلى النهوض بهذا البلد... و خير الختام ما قاله رسول
الله (ص) : " لا فرق بين عربي و لا أعجمي إلا بالتقوى "